السبت، 11 ديسمبر 2010

أحمد حلموش «عضو جمعية الغوص والأنشطة البحرية»: مغامرات غواص يعشق سمك القرش



«قطتنا جمل» .. هذا المثل الشعبى البسيط ربما يعبر عن حالنا فى كثير من القضايا التى نعطيها أكبر من حجمها، أقربها قضية هجوم سمك القرش الأخير فى شرم الشيخ .. الظاهرة طبيعية تماماً وتحدث فى كل شواطئ العالم، لكن رد فعلنا الهلع هو ما أخرج الموضوع من كونه «طبيعيا» إلى جعل معالجته الرسمية وتغطيته الإعلامية مذعورة متسرعة حتى وصل الأمر ببعض وسائل الإعلام إلى أن تزج فيه بكلمات مثل «المؤامرة» و«دور إسرائيل» و«ضرب السياحة» و«جى بى إس موصول بأمخاخ القروش»!

تحدثنا مع أحمد حلموش مدرب الغوص المحترف، وعضو جمعية الغوص والأنشطة البحرية بالبحر الأحمر، الذى يعيش فى شرم الشيخ ليخبرنا عن تفاصيل هجوم الفك المفترس الغامض الذى حول المثل من «قطتنا جمل» إلى «قرشنا حوت»!

لم نشهد فى مصر حوادث كهذا الهجوم.. ما تفسيرك له؟!

- هجوم سمك القرش على السابحين هو من أشد حوادث العنف ندرة فى العالم .. القروش ليست كما صورها سبيلبرج فى فيلم «الفك المفترس» تهاجم الناس باستمرار بلا سبب، هجومها يكون نادرا واستثنائيا لأن البشر ليسوا من فرائسها التقليديين، والإحصاءات العالمية توضح أن عدد القتلى نتيجة أسماك القرش فى العالم كله لا يتعدى أربع حالات سنوياً (صواعق البرق تقتل خمسين ضعف هذا الرقم) .. والولايات المتحدة بسواحلها المحيطية الواسعة لديها إحصائية تقول إنه سنويا يموت 3500 أمريكى غرقاً على الشواطئ مقابل نسبة تقل عن الواحد الصحيح تتعرض لهجوم من سمك القرش.


هل توجد قروش بالقرب من شواطئنا السياحية

- أكثر مما يتخيل الناس! بل إن هناك إقبالا كبيرا على «سياحة القروش»، فالكثير من الأجانب يحبون الغوص وسطها والتقاط الصور بالقرب منها لشدة ولعهم بها .. القرش لا تهاجم الناس عندما يكونون فى جماعات مطلقاً لأنها تشعر بالخوف من عددهم، لهذا لا يتعرض للهجوم إلا السباح المنفرد، وهو ما حدث مع الضحية الألمانية المسكينة. هذا بخلاف أنه ليس كل القروش مفترسة .. عالمياً هناك أكثر من 300 نوع من القروش بعضها أنواع نباتية لا تأكل اللحم لأنها لا تملك أسنانا، بل تتغذى على الطفيليات البحرية وفى مصر لدينا حوالى 35 نوعا من سمك القرش، أربعة فقط منها مفترسة هى: Tiger shark , silvertip shark mako shark , Blacktip reef shark

لماذا تصرفت القروش بشكل مختلف فى شرم الشيخ ؟

- أولا هى ليست «قروش» بل هى سمكة واحدة التى تسببت فى الهجمات كلها .. قرش من نوع oceanic whitetip ، وهو ليس من الأنواع الشرسة بالمناسبة وتصرفه هذا غير طبيعى، لهذا عندما أعلنت وزارة البيئة أنها أمسكت «المجرم» وعرضت صوراً لسمكتين تم اصطيادهما أدرك كل من له خبرة بالأحياء المائية أن القرشين الصريعين «أبرياء» لأنهما كانا من نوع آخر!

لماذا فشلت وزارة البيئة إذن فى اصطياد القرش المسعور؟

- لأنها تستخدم طريقة عشوائية .. فهم يربطون الطعم تحت الماء إلى جراكن أو براميل كبيرة مملوءة بالهواء، وعندما تطبق السمكة فمها على الخطاف تحاول أن تجذب البرميل إلى الأعماق فتفشل بسبب ثقل وزنه .. هذه هى الطريقة التقليدية لاصطياد القروش وعيبها أن الانتقاء فيها يتم بشكل عشوائى، فما الذى يضمن أن القرش الذى تم اصطياده هو القرش الصحيح

هذا بخلاف أن قتل القروش هكذا بشكل غير مدروس أمر خطر جداً على التوازن البيئى، لأن القروش ليست من الأسماك التى تتكاثر بأعداد كبيرة، وأنثى القرش تبيض عددا محدودا من البيض بداخل (بطنها)، ويظل البيض مستقراً بداخلها حتى يفقس ثم يخرج الجنين منها، مما جعل البعض يظن خطأ أن القرش من الثدييات وأنه يلد.

ما الطريقة الصحيحة لصيد هذا القرش المارق ؟

- يجب الابتعاد عن الطرق الروتينية واللجوء إلى طرق علمية .. إحدى المشاكل أننا فى مصر لا نملك المعرفة والخبرة الكافية بهذه الحوادث ولا ندرس علم القروش sharkology فى جامعاتنا .. أحد الحلول هو اللجوء لغطاسين محترفين فى مكان الحادث مسلحين ببنادق الأعماق لاصطياد السمكة المطلوبة تحديدا، مع وضع كاميرات مراقبة لمعرفة تحركات الأسماك فى المنطقة لرسم خريطة تقريبية لمكان تواجد الفريسة.. لكن لو استمر الاصطياد الجائر للقروش بهذه الطريقة فهذا خطر على التوازن البيئى والبيولوجى فى البحر الأحمر.

بمناسبة الاصطياد الجائر هناك نظريتان لتفسير شراسة القروش المفاجئة: الأولى أن الصيد الجائر للأسماك فى البحر الأحمر جعل القروش لا تجد غذاءً لها فى الماء فلجأت إلى الشواطئ للحصول على وجبات جديدة .. النظرية الثانية تقول إن جثث بعض الخراف النافقة قرب شرم الشيخ قبل عيد الأضحى جذبت أسماك القرش إلى المنطقة تتبعاً لرائحة الدم والأشلاء .. أيهما صحيحة ؟

- النظرية الأولى بعيدة جداً عن الصواب لأن البحر الأحمر من أغنى بحار العالم بالأسماك ومن شبه المستحيل أن تنضب منه، كما أن الصيد مستمر فيه بشكل طبيعى منذ عشرات السنين ولم يتغير شىء .. لكن النظرية الثانية بها شىء من الصحة لأننا كنا نرى جثث الخراف طافية على الماء بعدما ألقتها إحدى السفن التجارية الأسترالية التى كانت تنقلها للبيع كأضاحٍ .. لكن عموماً جذب القروش إلى منطقة ما لا يبرر هجومها على السابحين قرب الشواطئ، فالمياه الدافئة فى جنوب مصر (عند مرسى علم مثلاً أو حلايب أو القصير) مليئة بالقروش لأنها تفضل الجو الدافئ على البارد، ولكن هذا لا يمنع الغطاسين من النزول هناك والتصوير معها.

ما الذى يزعج سمك القرش ويجعله يميل للهجوم؟

- القرش ينزعج من الأضواء اللامعة أو الألوان الزاهية، لهذا فلا يجذبه كثيراً زى الغوص الأسود .. أيضاً أصوات رفاسات المراكب تستثيره، وطبعاً رائحة الدم كما هو معروف.

ما مدى تأثير هذه الهجمات على النشاط السياحى ؟

- تأثيرها حالياً مدمر.. السياحة المائية فى مصر مهمة جداً وتجذب للدخل القومى أكثر من 10 ملايين يورو سنوياً .. لكن للأسف أغلب السياح الآن ابتعدوا عن الشواطئ وغالباً موسم الكريسماس هذا العام سيكون سيئاً، رغم أن مصر تعتبر مهربا دافئا للسياح من ثلوج أوروبا فى أعياد الميلاد .. مركز الغوص الذى أعمل به كان يتعامل يومياً مع أكثر من 200 سائح مختلف، الآن لا يتجاوز العدد أربعة وكلهم من الغطاسين المحترفين .. «أنا وزمايلى بقالنا أسبوع قاعدين فى البيت من غير شغل».

وما الذى قمتم به لمواجهة هذا الموقف العسير بخلاف القعدة فى البيت ؟

- بعد أن عاد خبراء وزارة البيئة بخفى حنين من فحصهم للمنطقة قمت أنا وفريق من الغطاسين المحترفين التابع لجمعية «الغوص والأنشطة البحرية» بالغطس إلى أماكن تجمع القروش لمراقبة سلوكهم ومحاولة التقاط أى عدوانية غير مبررة، لكن ما وجدناه أن القروش كانت طبيعية كما هى ولم تتوحش كما يظن الناس، وهذا يعنى أن تصرفا شاذا لسمكة واحدة هو تفسير ما حدث، وغالباً ستكون قد ابتعدت عن الشواطئ المصرية الآن.

هل هناك احتمال أن تصرف القرش غير الطبيعى خلفه أيادٍ غير طبيعية أيضاً ؟

- الإنترنت مملوء بنظريات المؤامرة التى تتهم إسرائيل بأنها وراء هذا الحادث لضرب السياحة المصرية .. وهذا احتمال بعيد جداً عن الواقع .. إسرائيل لو أرادت العبث بسواحلنا ستقوم بهذه الضربة المزعومة عند طابا أو نويبع أو حتى دهب، وهى مدن سياحية مهمة وأقرب بكثير من شرم الشيخ التى تقع فى أقصى جنوب سيناء بعيداً جداً عن إسرائيل.. ثم إن من يريد التأثير على الحركة السياحية لدولة بكاملها لن يرسل سمكة واحدة.

كيف يمكننا الوقاية من تكرار مثل هذا الحادث ؟

- البحر ليس مملكة الإنسان، فنحن دخلاء عليه، ولهذا علينا التعامل بقواعد مملكة الأسماك المختلفة عنا .. بعض السائحين يقومون بعادات خاطئة جداً، فيحملون بقايا طعامهم فى أكياس نايلون ليطعموا بها الأسماك ويلتقطون صوراً لتجمهرها حولهم .. هذا التصرف يجذب الأسماك المفترسة التى تأتى أساساً وراء الأسماك فتجد غنائم من البشر .. أيضاً تنوى بعض الفنادق المطلة على البحر مباشرة إقامة شبكة أمان لحماية نزلائها، لكن هذا سيكون غير متاح إن كانت هذه الشبكات مضرة بالشعب المرجانية.

ما الذى تتوقع حدوثه فى الأيام القليلة القادمة ؟

- أتوقع أن يعاد فتح الشواطئ مرة أخرى بدون الوصول للسمكة الجانية، لكن ستزداد عوامل الحرص والأمان وسيتضاعف عدد الـ .. Life guards وأتوقع ألا يتكرر مثل هذا الحادث مرة ثانية، فالجنون المؤقت الذى أصاب هذا الـ oceanic whitetip لن يتكرر بإذن الله .. وبالتدريج ستعود الحياة إلى مدينة السلام، شرم الشيخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق