السبت، 25 يونيو 2011

الاستزراع السمكي نشاط اقتصادي متكامل



مع تزايد الحديث عن وجود مشاكل في إنتاج الغذاء قد تصل إلى حد الأزمة الغذائية مثلما حدث قبل ثلاث سنوات وتحديدا في عام 2008م عندما كان العالم يشهد أزمة غذائية ذات آثار اجتماعية واقتصادية وسياسية استنفرت العديد من الجهود لزيادة الإنتاج الغذائي، ودائما ما تتجه الأنظار إلى معالجة بعض آثار المشكلة دون النظر إلى المسببات وتراكمات عقود زمنية أهملت فيها العديد من وسائل زيادة الإنتاج الغذائي في العالم، وإذا ما سلمنا بأن الموارد الطبيعية شهدت الكثير من الاستنزاف لكثير من الظروف ولم تعد تبشر بالإنتاج الوفير، فإن هناك عددا محدودا من القطاعات يمكنها زيادة الإنتاج الغذائي بشكل واعد بل والتقليل من الضغط على القطاعات التقليدية للإنتاج الغذائي والاستزراع هو أحد المجالات التي بإمكانها زيادة الإنتاج السمكي والتقليل من الاعتماد على المصائد السمكية الطبيعية في البحار والأنهار وفي الوقت ذاته نجد الاستزراع السمكي نشاطا اقتصاديا متكاملا يساهم في تحقيق الأمن الغذائي وفي إنتاج أعلاف للثروة الحيوانية كما أن المياه المستخدمة في أحواض الاستزراع السمكي يعاد استخدامها في ري المزروعات وأيضا تستخدم كأسمدة ومخلفات الاستزراع مع مخلفات الثروة الحيوانية يمكن استخدامها في توليد الطاقة الكهربائية.

وللوقوف على ما يمثله الاستزراع السمكي من أهمية اقتصادية و في تحقيق الأمن الغذائي كان لنا هذا الحوار مع خبيرين في الاستزراع السمكي من معمل البحوث السمكية بمركز البحوث الزراعية بجمهورية مصر العربية والتفاصيل في السطور القادمة.

أنظمة الاستزراع

بداية الحديث كانت مع د.ثروت إسماعيل علي داوود خبير اقتصاد سمكي بالمعمل المركزي بمركز البحوث الزراعية بجمهورية مصر العربية الشقيقة حيث قال: الاستزراع السمكي نشاط اقتصادي مجز وذو إنتاجية عالية وله نظامان مختلفان الاستزراع البحري والاستزراع داخل البر وبصورة خاصة الاستزراع داخل الحيازات الزراعية واغلب الدول في العالم تأخذ بالنظامين الاستزراع البحري والاستزراع في البر سواء الاستزراع في المياه الصالحة للشرب أو في المياه المالحة ومن الأسماك التي تستزرع في المياه العذبة أسماك البلطي أما المياه المالحة فيمكن استغلالها في استزراع أنواع معينة من أسماك البلطي مثل : البلطي الأحمر والبلطي الموزمبيقي وبلطي وامي و الإنتاجية عالية في كثير من المشاريع.

العوامل المناخية

د.جمال عبد الناصر محمد خبير الاستزراع السمكي بمعمل البحوث السمكية بمركز البحوث الزراعية بجمهورية مصر العربية الشقيقة يشارك في الحديث ويشير إلى العوامل المناخية حيث قال: العوامل المناخية لها دور في إقامة مشاريع الاستزراع السمكي مثل درجات الحرارة وقبل تنفيذ أي مشروع هناك حاجة ماسة إلى دراسة سجل درجات الحرارة بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل عسر ويسر الماء والمواد الصلبة والذائبة والرقم الهيدروجيني ودرجة الملوحة ومن المعلوم أن درجة الحرارة المحصورة بين 17 و18 درجة إلى 31 درجة تعتبر مناسبة لنمو وتفريخ أسماك البلطي.

إمكانيات طبيعية

وفيما يتعلق بتوافر الامكانيات الطبيعية لنجاح مشاريع الاستزراع السمكي في السلطنة قال د.جمال عبد الناصر محمد : تتوفر للسلطنة بيئة مناسبة لإقامة مشاريع الاستزراع السمكي وفي مهمة عملنا الحالية نقوم بدراسة العوامل المناخية مثل سجل درجات الحرارة لما لها من أهمية في نجاح الاستزراع السمكي وفي زياراتنا لمنطقة الباطنة ومحافظة ظفار قمنا بدراسات لسجل درجات الحرارة للوقوف على المعطيات المناسبة لإقامة مشاريع استزراع ناجحة – إن شاء الله تعالى – والحال نفسه سيكون في زياراتنا إلى باقي محافظات ومناطق السلطنة المختلفة..

حماية المصائد

يؤكد د. ثروت إسماعيل : على أهمية الاستزراع السمكي في التقليل من الضغط على قطاع الصيد التقليدي وعلى المخزون السمكي للبحار والمحيطات حيث مع إقامة مشاريع الاستزراع السمكي وزيادة إنتاجيتها يقل الضغط على المخزون السمكي المجهد من الصيد وأحيانا الصيد الجائر كما أنه في أحيان كثيرة في بعض الدول يزداد نصيب الفرد من الأسماك بواسطة مشاريع الاستزراع السمكي بعيدا عن إجهاد المصائد السمكية الطبيعية ويضاف إلى كل ذلك أهمية الاستزراع السمكي في توطين التكنولوجيا الحديثة وتشغيل الأيدي العاملة الوطنية..

الموارد البشرية

ويركز د. جمال عبد الناصر محمد على أهمية الموارد البشرية العاملة في الاستزراع السمكي حيث قال : البداية دائما تكون مع العنصر البشري لأنه هو الجزء المحوري في التطوير بمجال الاستزراع السمكي وأي تطوير في الاستزراع لا بد أن يبدأ بالكادر البشري حيث لا بد للجامعات أن تفرد تخصصا للاستزراع السمكي تندرج ضمنها تخصصات تطبيقية وحقلية تعنى بحل مشاكل الاستزراع السمكي وتعظيم الإنتاج السمكي من الاستزراع وتحسين الجودة وكذلك إقامة معاهد تطبيقية ومعاهد تدريب متوسطة ومعاهد فنية ومراكز للتدريب لتخريج عمال حقل ومهنيين وفنيين للعمل في مجال الاستزراع السمكي ويشاركه الحديث د. ثروت إسماعيل علي فيقول : لا بد للجامعات العربية وبصفة خاصة كليات الزراعة استحداث تخصص الاستزراع السمكي بما يشمل : التخصصات الفرعية إدارة الأحواض السمكية وتفريغ الأسماك وتصنيع العلائق فالاستزراع السمكي مثلما هو بحاجة إلى الخبراء والمتخصصين فهو بحاجة أيضا إلى المهنيين والعمال والفنيين وهي حلقة مهمة جدا في عمل الاستزراع السمكي وتحقيق النجاح لمشاريعه والمجالات المهنية والتطبيقية مرغوبة أكثر من المجالات الأكاديمية..

الإرشاد السمكي

ويوضح الدكتور جمال عبد الناصر محمد: أن نشاط الاستزراع السمكي يحتاج إلى دور الإرشاد السمكي للتعريف به وبصورة أدق لا بد من وجود إرشاد سمكي خاص بالاستزراع السمكي وكمرحلة أولى يمكن إنشاء وحدات إرشادية تعمل على التعريف بنشاط الاستزراع السمكي حيث يتم تأهيل كادر بشري متخصص يقوم بنقل المعلومات عن الاستزراع السمكي بشكل بسيط وسهل وسلس للمستهدفين وأصحاب مشاريع الاستزراع السمكي مما سيكون له الأثر الايجابي على انتشار هذا النشاط ونجاح مشاريع الاستزراع السمكي – بإذن الله تعالى-.

الأمن الغذائي

وحول دور الاستزراع السمكي في تحقيق الأمن الغذائي قال الدكتور ثروت إسماعيل علي : إن نشاط الاستزراع يساهم في التقليل من الضغط على المصائد السمكية الطبيعية وإنتاج الأسماك من الاستزراع يوفر الغذاء ويساهم في زيادة الإنتاج السمكي وفي حالة السلطنة بالإمكان أن تكون السلطنة خلال الفترة القادمة دولة رائدة في هذا المجال ومشاريع إنتاج أسماك البلطي مع تطورها ستجعل السلطنة مركزا للتصدير لدول الخليج ودول قارة آسيا وبعض الدول الأوروبية حيث يتحقق الأمن الغذائي بتوفير الأسماك في الأسواق المحلية وتصدير الفائض للخارج مما يزيد من الصادرات العمانية من الأسماك للأسواق الخارجية ويدعم الاقتصاد الوطني وفي كل حال فإن مشاريع الاستزراع السمكي في السلطنة والدول العربية ومع اختلاف التجربة والإمكانيات فهي تحتاج من سنة إلى ثلاث سنوات لتحقق التأثير المنشود في إنتاج الغذاء وتحقيق قدر من الأمن الغذائي. ويشاركه في الرأي د.جمال عبد الناصر محمد حيث قال : لا جدال على أهمية الاستزراع السمكي في زيادة الإنتاج الغذائي و تحقيق قدر من الأمن الغذائي للوطن العربي مع الأخذ في الحسبان أن الموارد المتاحة لإقامة مشاريع الاستزراع السمكي تختلف من بلد لآخر وكذلك الخبرات والتكنولوجيا الحديثة وكذلك مدة تطبيق تجربة الاستزراع السمكي كما أن زيادة الإنتاج للأسماك من مشاريع الاستزراع السمكي في الدول العربية لن يكون متزامنا وبالتالي فان مساهمة الاستزراع السمكي في الأمن الغذائي العربي يحتاج لمدة زمنية بين ثلاثة إلى خمسة سنوات لنرى التأثير والإسهام الايجابي الملموس والمباشر- بتوفيق الله تعالى-.

النمو العمراني

ويلفت الدكتور ثروت إسماعيل علي : إلى دور نشاط الاستزراع السمكي في الاستقرار والنمو العمراني حيث إقامة مشاريع الاستزراع السمكي تستدعي إقامة المزارع السمكية و جلب العمال وتشغيل الأيدي العاملة الوطنية مما يساهم في الاستقرار العمراني بالقرب من تلك المشاريع وبالتالي تنمية المجتمعات المحلية وتطويرها عمرانيا.

التجربة المصرية

وعن تجربة مصر في الاستزراع يقول الدكتور ثروت إسماعيل علي : بدأ الاستزراع في مصر قبل ثلاثة عقود زمنية وتحديدا في عام 1980م وبما يعادل 2 % من مصادر الإنتاج السمكي وشهدت المشاريع طفرات متتالية وزادت نسبة مساهمة قطاع الاستزراع السمكي في الإنتاج السمكي الكلي على مستوى الجمهورية في عام 1990م وصولا إلى عام 2009م حيث بلغ عدد مشاريع الاستزراع السمكي ما لا يقل عن 1000 مفرخة للأسماك أغلبها مشاريع القطاع الخاص مع العلم بأن بداية مشاريع الاستزراع السمكي في مصر كانت بأربع مفارخ أنشأتها الحكومة ونظرا لاهتمام مصر باستزراع أسماك البلطي فان مصر اليوم هي ثاني أكبر دولة في العالم في إنتاج البلطي بعد جمهورية الصين الشعبية وبالتالي فإن مصر هي الدولة الأولى في إنتاج أسماك البلطي على المستويين العربي والأفريقي ويشاركه الحديث د. جمال عبد الناصر محمد فيقول : تجربة الاستزراع في مصر اعتمدت على جهود المراكز العلمية والبحثية مثل : مركز بحوث الثروة السمكية بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية والمركز الدولي للأسماك ومراكز بحثية أخرى تابعة للجامعات.

آفاق المستقبل

ويستشرف د.جمال عبد الناصر محمد مستقبل الاستزراع السمكي كناشط اقتصادي ذي أهمية فقال : الاستزراع السمكي نشاط اقتصادي متكامل حيث هناك مسمى الاستزراع المتكامل حيث يتم تطبيق أكثر من أنشطة يخدم بعضه البعض فنجد الماء المستخدم في الاستزراع الذي يغذي الأسماك تحمل المادة العضوية تروي المحاصيل الزراعية وهذه المياه أيضا يمكن استغلالها في صناعة الأسمدة الكيميائية والمحاصيل التي تروى بالمياه ويتم تسميدها تستخدم كعلف للمواشي ومن مخلفات الاستزراع والمواشي يمكن توليد الكهرباء عن طريق إنتاج الغاز الحيوي بواسطة وحدة لتوليد الغاز وبالتالي نحصل على طاقة نظيفة وبطريقة سهلة ويتضح مما سبق أن الاستزراع السمكي نشاط اقتصادي متكامل ولكن حتى نصل لتلك المرحلة من الاستغلال الاقتصادي المثالي للاستزراع السمكي لا بد من الاهتمام بأصحاب مشاريع الاستزراع السمكي وتوظيف شغفهم وحبهم لهذا النشاط لمصلحة تطوير الاستزراع السمكي عن طريق التدريب في كيفية التعامل مع مشاريع الاستزراع السمكي والتدريب في مجالات التفريغ والرعاية والتربية للأسماك وتحسين الإنتاج ورفع جودة الأسماك المستزرعة وتطوير استزراع سلالات مقاومة للملوحة إلى جانب الاهتمام بإنشاء المفرخات وإدارة المزارع السمكية والاستعانة بتطبيقات التكنولوجيا الحديثة. ويوافقه في الرأي د.ثروت إسماعيل علي حيث قال : الأهمية الاقتصادية للاستزراع السمكي لا خلاف عليه ولكن علينا ترتيب الأولويات للوصول إلى استزراع سمكي اقتصادي يخدم الضرورات الاقتصادية والعلمية والغذائية للوطن العربي والدور الأكبر يقع على الجهات الحكومية المختصة حيث عليها إقامة البنى الأساسية لإنجاح مثل هذه المشاريع وفي مقدمتها إنشاء المزارع السمكية التي تقوم بدعم أصحاب مشاريع الاستزراع السمكي بالإضافة إلى إنشاء مفرخات تقوم بتوفير الزريعة والعلائق لأصحاب مشاريع الاستزراع السمكي وفي مرحلة البداية يمكن إنشاء مزارع سمكية ومفرخات تجريبية وإرشادية في بعض المناطق الجغرافية المختارة لتعمل كنموذج تطبق فيها الأبحاث والتقانات الحديثة وكذلك لأغراض التدريب للمزارعين وأصحاب مشاريع الاستزراع السمكي ومتابعتهم فنيا وإعطائهم الدورات التدريبية للوصول إلى أعلى إنتاجية ويضاف إلى كل ذلك الدور الإرشادي والإعلامي في نشر ثقافة الاستزراع السمكي لدى الجمهور وتعريفه بهذا النشاط الاقتصادي وذلك عن طريق الفعاليات العلمية والإرشادية كالمحاضرات والندوات والمؤتمرات والحلقات العلمية والدورات التدريبية واللقاءات وأيام الحقل الإرشادية وغيرها من الفعاليات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق